فصل: تفسير الآية رقم (2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (1):

{يس (1)}
{يس} الكلام فيه كالكلام في {الم} [البقرة: 1] ونحوه من الحروف المقطعة في أوائل السور إعرابًا ومعنى عند كثير. وأخرج ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس أنه قال: يس يا انسان. وفي رواية أخرى عنه زيادة بالحبشية. وفي أخرى عنه أيضًا في لغة طي.
قال الزمخشري: إن صح هذا فوجهه أن يكون أصله يا أنيسين فكثر النداء به على ألسنهم حتى اقتصروا على شطره كما في القسم م الله في أيمن الله. وتعقبه أبو حيان بأن المنقول عن العرب في تصغير إنسان أنيسيان بياء قبل الألف وهو دليل على أن الإنسان من النسيان وأصله انسيان فلما صغر رده التصغير إلى أصله ولا نعلمهم قالوا في تصغيره انيسين، وعلى تقدير أنه بقية أنيسين فلا يجوز ذلك إلا أن يبنى على الضم ولا يبقى موقوفًا لأنه منادى مقبل عليه ومع ذلك لا يجوز التصغير في أسماء الأنبياء عليهم السلام كما لا يجوز في أسماء الله عز وجل، وما ذكره فيمن أنه شطر أيمن قول، ومن النحويين من يقول م حرف قسم وليس شطر أيمن انتهى.
قال الخفاجي: لزوم البناء على الضم مما لا كلام فيه فلعل من فسره بذلك يقرؤه بالضم على الأوجه فيه، وأما الاعتراضان الآخران فلا ورود لهما أصلًا، فأما الأول فلأن من يقول أنيسيان على خلاف القياس وهو الأصح لا يلزمه فيما غير منه أن يقدره كذلك وهو لم يلفظ به حتى يقال له: نطقت بما لم تنطق به العرب بل هو أمر تقديري، فإذا قال: المقدر مفروض عندي على القياس هل يتوجه عليهالسؤال، وأما الأخير فلأن التصغير في نحو ذلك إنما يمتنع منا وأما من الله تعالى فله سبحانه أن يطلق على نفسه عز وجل وعظماء خلقه ما أراد ويحمل حينئذ على ما يليق كالتعظيم والتحبيب ونحوه من معاني التصغير كما قال ابن الفارض:
ما قلت حبيبي من التحقير ** بل يعذب اسم الشيء بالتصغير

والذي قاله أبو حيان في توجيه ذلك أنهم يقولون إيسان عنى إنسان ويجمعون على أياسين فهذا منه ولا يخفى أنه يحتاج إلى إثبات وبعده لا يخفى ما في التخريج عليه، وقالت فرقة: يا حرف نداء والسين مقامة مقام إنسان انتزع منه حرف فأقيم مقامه، ونظيره ما جاء في الحديث: «كفى بالسيف شا» أي شاهدًا، وأيد بما ذهب إليه ابن عباس في {حم عسق} [الشورى: 1، 2] ونحوه من أنها حروف من جملة أسماء له تعالى وهي رحيم وعليم وسميع وقدير ونحو ذلك.
وظاهر كلام بعضهم كابن جبير أن يس جموعه اسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام وهو ظاهر قول السيد الحمري:
يا نفس لا تمحضي بالود جاهدة ** على المودة إلا آل ياسينا

ولتسميته صلى الله عليه وسلم بهذين الحرفين الجليلين سر جليل عند الواقفين على أسرار الحروف، وقد تكلمت ولله تعالى الحمد فيما تعلق بهذه الكلمة الشريفة ثلاثة أيام أشرع كل يوم منها بعد العصر وأختم قبيل المغرب وذلك في مجلس وعظي في المسجد الجامع الداودي واليوم لا أستطيع أن أذكر من ذاك بنت شفة بل لا أتذكر منه إلا رسمًا هب عليه عاصف الزمان الغشوم فنسفه فحسبي الله عمن سواه فلا رب غيره ولا يرجى إلا خيره.
وقرئ بفتح الياء وإمالتها محضًا وبين بين.
وقرأ جمع بسكون النون مدغمة في الواو، وآخرون بسكونها مظهرة والقراءتان سبعيتان، وقرأ ابن أبي إسحاق. وعيسى بفتح النون، قال أبو حاتم قياس قول قتادة: إنه قسم أن يكون على حد الله لأفعلن بالنصب.
ويجوز أن يكون مجرورًا بإضمار باء القسم وهو ممنوع من الصرف. وقال الزجاج: النصب على تقدير أتل يس وهذا على قول سيبويه أنه اسم للسورة، وقيل هو مبني والتحريك للجد في الهرب من التقاء الساكنين والفتح للخفة كما في أين، وسبب البناء غير خفي عليك إذا أحطت خبرًا بما قرروا في {الم} أول سورة البقرة.
ولا تغفل عما قالوا في النصب بإضمار فعل القسم من أنه لا يسوغ لما فيه من جمع قسمين على مقسم عليه واحد وهو مستكره، ولا سبيل إلى جعل الواو بعد للعطف لا للقسم لمكان الاختلاف إعرابًا.
وقرأ الكلبي بضم النون وخرج على أنه منادى مقصود بناءً على أنه عنى إنسان أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف، ويقدر هذه إذا كان اسمًا للسورة وهذا إن كان اسمًا للقرآن وهو يطلق على البعض كما يطلق على الكل، وجعله مبتدأ محذوف الخبر وهو قسم أي يس قسمي نحو أمانة الله لأفعلن بالرفع لا يخفى حاله، وقيل الضمة فيه ضمة بناءً كما في حيث.
وقرأ أبو السمال. وابن أبي إسحاق أيضًا بكسرها، وخرج على أنه للجد في الهرب عن الساكنين بما هو الأصلي فتأمل وتذكر.

.تفسير الآية رقم (2):

{وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)}
{والقرءان} ابتداء قسم، وجوز أن يكون عطفًا على يس على تقدير كونه مجرورًا بإضمار باء القسم لا أنه قسم بعد قسم لما سمعت من كلامهم {الحكيم} أي ذي حكمة على أنه صيغة نسبة كلابن وتأمر أي متضمن إياها أو الناطق بالحكمة كالحي على أن يكون من الاستعارة المكنية أو المتصف بالحكمة على أن الإسناد مجازي وحقيقته الإسناد إلى الله تعالى المتكلم به. وفي البحر هو إما فعيل عنى مفعل كأعقدت العسل فهو عقيد أي معقد وإما للمبالغة من حاكم.

.تفسير الآية رقم (3):

{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)}
{إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} جواب للقسم، والجملة لرد إنكار الكفرة رسالته عليه الصلاة والسلام فقد قالوا: {لَسْتَ مُرْسَلًا} [الرعد: 43] وتقدم ما يشعر بأنهم على جانب عظيم من الإنكار أعني قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا} [فاطر: 42-43] استكبارًا في الأرض ومكر السيء، وهذه الآية من جملة ما أشير إليه بقوله تعالى في جوابهم عن إنكارهم {قُلْ كفى بالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الرعد: 43] وتخصيص القرآن بالإقسام به أولًا وبوصفه بالحكيم ثانيًا تنويه بشأنه على أكمل وجه.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (4):

{عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)}
{على صراط مُّسْتَقِيمٍ} خبر ثان لأن، واختاره الزجاج قائلًا: إنه الأحسن في العربية أو حال من ضميره عليه الصلاة والسلام المستكن في الجار والمجرور أو الواقع اسم إن بناءً على رأي من يجوز الحال من المبتدأ؛ وجوز أن يكون متعلقًا بالمرسلين وليس المراد به الحال أو الاستقبال أي لمن الذين أرسلوا على صراط مستقيم، وأن يكون حالًا من عائد الموصول المستتر في اسم الفاعل، أو حالًا من نفس {المرسلين} [يس: 3].
والزمخشري لم يذكر من هذه الأوجه سوى كونه خبرًا وكونه صلة للمرسلين، وأيًا ما كان فالمراد بالصراط المستقيم ما يعم العقائد والشرائع الحقة وليس الغرض من الإخبار الإعلام بتمييز من أرسل على صراط مستقيم عن غيره ممن ليس على صفته ليقال إن ذلك حاصل قبله لما أن كل أحد يعلم أن المرسلين لا يكونون إلا على صراط مستقيم بل الغرض الإعلام بأنه موصوف بكذا وأن ما جاء به الموصوف بكذا تفخيمًا لشأنهما فسلكا في مسلك سلوكًا لطريق الاختصار، وأيضًا التنكير في {صراط} للتفخيم فهو دال على أنه أرسل من بين الصرط المستقيمة على صراط لا يكتنه وصفه وهذا شيء لم يعلم قبل، ولا يرد أن الطريق المستقيم واحد ليس إلا ألا ترى إلى قوله تعالى: {فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل} [الأنعام: 153] لأن لكل نبي شارع منهاجًا هو مستقيم وباعتبار الرجوع إلى المرسل تعالى شأنه الكل متحد وباعتبار الاختصاص بالمرسل والشرائع مختلف فصح أنه أرسل من بني الصرط المستقيمة إلخ. وأيضًا هو فرض والفرض تعظيم هذا الصراط بأنه لا صراط أقوم منه واقعًا أو مفروضًا ولا نظر إلى أن هنالك آخر أولًا، وهذا قريب من أسلوب مثلك لا يفعل كذا فافهم ولا تغفل.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (5):

{تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)}
{تَنزِيلَ العزيز الرحيم} نصب على المدح أو على المصدرية لفعل محذوف أي نزل تنزيل.
وقرأ جمع من السبعة وأبو بكر. وأبو جعفر. وشيبة. والحسن. والأعرج. والأعمش بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والمصدر عنى المفعول أي هو تنزيل أي منزل العزيز الرحيم، والضمير للقرآن ويجوز إبقاؤه على أصله بجعله عين التنزيل؛ وجوز أن يكون خبر {يس} إن كان المراد بها السورة والجملة القسمية معترضة، والقسم لتأكيد المقسم عليه والمقسم به اهتمامًا فلا يقال: إن الكفار ينكرون القرآن فكيف يقسم به لإلزامهم.
وقرأ أبو حيوة. واليزيدي. والقورضي عن أبي جعفر. وشيبة بالخفض على البدلية من {القرءان} أو الوصفية له.
وأيًا ما كان ففيه إظهار لفخامة القرآن الإضافية بعد بيان فخامته الذاتية بوصفه بالحكمة، وفي تخصيص الاسمين الكريمين المعربين عن الغلبة الكاملة والرحمة الفاضلة حث على الإيمان به ترهيبًا وترغيبًا وإشعارًا بأن تنزيله ناشئ عن غاية الرحمة حسا أشار إليه قوله تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107].

.تفسير الآية رقم (6):

{لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)}
{لّتُنذِرَ} متعلق بتنزيل أو بفعله المضمر على الوجه الثاني في إعرابه أي نزل تنزيل العزيز الرحيم لتنذر به أو بما يدل عليه {لَمِنَ المرسلين} [يس: 3] أي أرسلت أو إنك مرسل لتنذر {قَوْمًا مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ} أي لم تنذر آباؤهم على ما روي عن قتادة فما نافية والجملة صفة {قَوْمًا} مبينة لغاية احتياجهم إلى الإنذار، والمراد بالإنذار الإعلام أو التخويف ومفعوله الثاني محذوف أي عذابًا لقوله تعالى: {إِنَّا أنذرناكم عَذَابًا قَرِيبًا} [النبأ: 40] والمراد بآبائهم آباؤهم الأدنون وإلا فالأبعدون قد أنذرهم إسماعيل عليه السلام وبلغهم شريعة إبراهيم عليه السلام.
وقد كان منهم من تمسك بشرعه على أتم وجه ثم تراخى الأمر وتطاول المدد فلم يبق من شريعته عليه السلام إلا الاسم. وفي البحر الدعاء إلى الله تعالى لم ينقطع عن كل أمة أما باشرة من أنبيائهم وأما بنقل إلى وقت بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم والآيات التي تدل على أن قريشًا ما جاءهم نذير معناها لم يباشرهم ولا آباءهم القريبين. وأما أن النذارة انقطعت فلا، ولما شرعت آثارها تندرس بعث النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكره المتكلمون من حال أهل الفترات فهو على حسب الفرض اه.
وعليه فالمعنى ما أنذر آباءهم رسول أي لم يباشرهم بالإنذار لا أنه لم ينذرهم منذر أصلًا فيجوز أن يكون قد أنذرهم من ليس بنبي كزيد بن عمرو بن نفيل. وقس بن ساعدة فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى: {وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] وليس في ذلك إنكار الفترة المذكورة في قوله تعالى: {على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل} [المائدة: 19] لأنها فترة إرسال وانقطاعها زمانًا لا فترة إنذار مطلقًا، وعن عكرمة {مَا} عنى الذي، وجوز أن تكون موصوفة وهي على الوجهين مفعول ثان لتنذر أي لتنذر قومًا الذي أنذره أو شيئًا أنذره الرسل آباءهم الأبعدين، وقال ابن عطية: يحتمل أن تكون ما مصدرية فتكون نعتًا لمصدر مؤكد أي لتنذر قوما إنذارًا مثل إنذار الرسل آباءهم الأبعدين، وقيل هي زائدة وليس بشيء {فَهُمْ غافلون} هو على الوجه الأول متفرع على نفي الإنذار ومتسبب عنه والضمير للفريقين أي لم ينذر آباؤهم فهم جميعًا لأجل ذلك غافلون، وعلى الأوجه الباقية متعلق بقوله تعالى: {لّتُنذِرَ} أو بما يفيده {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} وارد لتعليل إنذاره عليه الصلاة والسلام أو إرساله بغفلتهم المحوجة إليه نحو اسقه فإنه عطشان على أن الضمير للقوم خاصة فالمعنى فهم غافلون عنه أي عما أنذر آباؤهم.
وقال الخفاجي: يجوز تعلقه بهذا على الأول أيضًا وتعلقه بقوله تعالى: {لّتُنذِرَ} على الوجوه وجعل الفاء تعليلية والضمير لهم أو لآبائهم اه، ولا يخفى عليك أن المنساق إلى الذهن ما قرر أولًا.